في حافلة الأيام

بسم الله الرحمن الرحيم
في حافلة الأيام مر بنا شيخ طاعن في السن, يمسك في يده قلما وأوراقا بيضاء يحاول حل إشكالية الزمن ,فضحك شباب بقربه , وتحلقوا من حوله يطرحون عليه أسئلة في قالب الفكاهة والمرح . تململ الشيخ واخرج خريطة عريقة القدم , وقال في تأفف تملؤه حسرة على شيء ثمين ضاع واندثر, أتعلمون هذه سعرها ليس له ثمن , خريطة فلسطين قبل أن يطأها المحتل , سر قديم احمله منذ أن شاركت في الحرب مع بقية العرب.
قال للشباب في ازدراء : نحن حاولنا جهدنا , حاربنا عدونا , شممنا ريح أرضنا , والنية في العمل , وانتم شباب في قوة الجبل , تسخرون من شيخ أدبره الزمن , و نسيه الوطن , وحل الدهر في سائر الجسد فافسد الزهور وغير حديقة المقل , و في عينيه دمعة غالية في قيمة الوطن قبل الخريطة وودع الجميع مودع المسافر إلى الأجل, تحت دمعة تظلل العينين وترسم الأمل, ثم خبا الخريطة وقال لنا جميعا : جواز سفري عند المليك المقتدر, آخذها معي في القبر, عند حسابي , اعرضها على نبي , هذه وديعة تركتها لأمة ولا كل الأمم !!
تحمله أيامه في حافلة الزمن
شيخ ذو وقار طاعن في السن
جمانة على جبينه كانت ولا تزل
خبأها في قلبه حبا ونية في العمل
تجاعيدي في طيات المدى: فلسطين
و صدقي في تسابيح الدجى من ديني
القدس احملها صورتي و الموت يحييني
لست أنا الذي ينسى الظلم ولا الحب ينسيني
وغزة , أمست حزينة ,وغزة باتت قتيلة
الفجر لا الفجر فيها ,فسماؤها اليوم لهيبة
المغرب يا أسفي عليها , باتت لياليها وئيدة
شهداؤها شاهدة عليها فهل تضاهيها قصيدة
و استيقظ الشيخ من غيبوبة الزمن السجينة
و راح يضحك في استعلاء أيام عمره الكريمة
واستدار في خفة الظبي , و الضبع أعده كوليمة
لست أنا الذي ينسى الظلم و لا الحب ينسيني
وفلسطين تكبلها خناجر الغدر و لا في الكون يحميها, سأظل احمل خارطة فلسطين في قلبي مثلما يحملها حبي وتجري في عروقي مع دمي إلى أن أوارى في الثرى وألقى رب السماوات العلا .
تراب فلسطين لا , لن يهون ما دام هناك أبطال من اجله دخلوا السجون , تراب فلسطين لا, لن يهون ما دام هناك شهداء بالمليون , تراب فلسطين لا لن يهون ما دام هناك مؤذن للصلاة في الكون , تراب فلسطين لا لن يهون ما دمنا هنا في الأرض باقون.
رحم الله والدي غرس في قلبي حب الوطن وحب فلسطين .